ابني يصغي لأصدقائه أكثر مني! ما العمل ؟

إذا أردت أن تعرف من تكون، فانظر من تصاحب.
جملة رددناها كثيراً، واستخدمها الناس كأمثلة شعبية، اختلفت صياغتها، لكنها احتفظت بالمعنى.
حفظها الكثيرون، ورددوها مراراً، واستخدموها في أقوالهم ونصائحهم، إلا أنهم أغفلوها في التطبيق، ونسوها في التجربة.

الصاحب ساحب، مثال شعبي آخر، استخدمه الناس للإشارة إلى تأثير الصديق والرفيق على أي إنسان، صغيراً كان أم كبيراً، ولكن في زحمة الحياة، يضيع التفكير في "من يكون صديقي" طالما أنه موجود بالفعل.
ولأنه موجود بالفعل في حياة الجميع، فإن تأثيره كبير، ورأيه الأقرب إلى القلب، وشخصيته المحببة تجعل الصعب سهلاً، والمحظور ممكناً، طالما غاب الرقيب.

ولأن الأبناء هم قبل أي شيء آخر، مسؤولية الأب والأم، وعلى عاتقهما تقع كل صغيرة أو كبيرة في حياتهم، فإن الصديق كان ولا يزال، من أهم المحطات التي تترك في فكر وشخصية الأبناء تأثيراً كبيراً، قد يمتد لسنوات طويلة، يصعب على الآباء والأمهات محو آثارها زمناً.

قصة مختصرة جداً:
يعاني معظم الآباء والأمهات من انصياع أبنائهم لأفكار أقرنائهم وأصدقائهم، ومن تقليدهم لهم بالتصرفات والسلوكيات والأفكار.
ويكون تأثير الأصدقاء على الأبناء -في كثير من الأحيان- أكبر وأبلغ من تأثير الأب والأم.
ويقف الآباء حيارى في تلك المشكلة، يتم التغاضي عنها مع مرور الوقت، وبذل الجهد، وتبدل الأحوال.
أما في نفسية الأبناء وسلوكياتهم وأفكارهم، فإن ثمة شيء ما قد حصل، ربما لا يراه الآخرون، ولكنه قد يجد له في يوم من الأيام، وقتاً مناسباً للظهور مجدداً.

المعاناة واحدة لدى الكثيرين، والمشكلة قائمة لم تجد لها حلاً في معظم الحالات، ولكن –عودة للأمثال الشعبية- درهم وقاية خير من قنطار علاج.

أبو محمد يروي حكاية سمعها الجميع ذات يوم من أحد ما، تحدث يومياً، يقول: " ابني تعلم شرب الدخان مؤخراً، بسبب مرافقته لبعض زملائهم من المدخنين".
وهو بهذه القصة القصيرة جداً، يختصر روايات كثيرة، حدثت ذات مرة في مكان ما، تعلم فيها أحدهم شرب المخدرات من رفقاء السوء، وسافر فيها آخر إلى بلاد سيئة السمعة مع أصدقاء سبقوه إلى التجربة والمغامرة (!)، وسرق فيها ثالث من أموال الغير أو أهله؛ علمه أصدقائه أساسيات فن السرقة والنصب (!)، وسعى فيها آخر إلى سرقة سيارة حديثة من أجل (التفحيط) فيها، أسوء بزملاء له استطاعوا فعل ذلك والتمتع به (!).
ولا تنتهي الروايات حين تروى عن مثل هذه الحالات، تماماً مثلما لا يستطيع أحد أن يوقفها بسهولة.

لماذا يتعلم الأبناء من أصدقائهم أكثر ؟!
هناك أسباب عديدة تجعل الأبناء أكثر ميولاً للتعلم من أصدقائهم، وتفضيل ما يتلقونه منهم على ما يتلقوه من آبائهم وأمهاتهم، وإن اختلفت القيم، وتعاكست الآراء، منها:
1- إن الأصدقاء هم أقرب الناس عمراً للأبناء، والمستوى الثقافي ومستوى الإدراك يتقارب لدى الكثيرين منهم، لذلك، فإن الأسلوب الذي يتبعه البعض -دون قصد منهم أو عظيم جهد- لتلقين أصدقائهم الآخرين بسلوكياتهم وتصرفاتهم وآرائهم، هو الأسلوب الأقرب إلى نفسهم.
ففي كثير من الأحيان يكون الأسلوب "الوعظي والإرشادي" على سبيل المثال، أبعد ما يكون عن عقل الابن، وعندما يقارن هذا الأسلوب المستخدم مراراً وتكراراً في كل شيء، مع أسلوب "التجربة الواقعية" مع أحد أصدقائه، سيميل دون إدراك منه إلى أسلوب الأخير.
على سبيل المثال، يحاول معظم الآباء تلقين أبنائهم عدم التجسس واختلاس السمع من الآخرين، ولكن حين يرى أحد الأبناء زميل له يسترق السمع من غرفة المدير، ويروي لهم ما دار من حديث بينه وبين أستاذ الفصل، سيتشوق الابن لتجربة ذلك، وكشف بعض الأسرار التي تحدث في أماكن أخرى.
2- العلاقة بين الأصدقاء هي علاقة وقتية وزمانية، لا يوجد فيها مسؤول عن آخر، ولا وصاية لأحد على الآخر، فيما توجد وصاية واضحة من قبل الأب أو الأم على الأبناء، لذلك، فإن درجة تقبل ما يقوم به الزملاء والأصدقاء أكبر تأثيراً على الأبناء من تأثير الأب والأم.
ففي الحالة الأولى، يحس الابن أنه أمام شخص لا يستطيع أن يفرض عليه أمراً محدداً، وهو بالتالي يمتلك "حرية القبول أو الرفض"، لذلك فإن أي قبول يأتي نحو سلوكية معينة، سيكون قبولاً "كلياً وكاملاً"؛ لأنه حدث بملء الإرادة.
أما الحالة الثانية، فإن الابن لا يمتلك حرية الرفض، وعليه أن يتقبل كل الأمور بشكل "إلزامي" لذلك يكون قبوله له قبولاً "شكلياً وجزئياً" ينتهي بانتهاء السبب في بعض الأحيان، باستثناء الحالات التي يستطيع فيها الآباء إقناع أبناءهم بشكل كامل.

3- ممارسة بعض السلوكيات أو التصرفات بين الأصدقاء تكون ممارسة تشاركية، بمعنى أن أي فعل يقومون به، يتشاركون فيه في الثواب والعقاب، أما مع الآباء، فإن معظم الأفكار والسلوك التي تطلب من الابن، تكون فردية.
على سبيل المثال، في الحالة الأولى، قد يتشارك الأصدقاء في سرقة وجبة إفطار أحد زملائهم، ويتقاسمون "الغنائم" فيما بينهم، وعندما يكشف أمرهم، سيلاقون نفس العقاب على الأغلب، رغم أن الأمر والمشورة قد صدرت من شخص واحد منهم، وكذلك الأمر مثلاً عندما يقومون بالهروب من المدرسة إلى حديقة أو سوق بإيعاز من أحدهم أو يقومون بشرب الدخان يجلبه أحد الزملاء.
أما في الحالة الثانية، فإن الأب والأم يطلبون بشكل فردي من الابن أن يقوم بتصرف ما، كأن يأمرونه بالدراسة والمذاكرة، فيما يشاهدون هم التلفاز أو يطلبون منه الجلوس هادئاً دون صوت، فيما يتناقشون هم في أمر ما.

4- القدوة: حيث يعد الصديق قدوة حقيقية لصديقه، فيما يفقد الكثير من الأهل مبدأ القدوة.
فمثلاً، لا يطلب الصديق من صديقه الإتيان بأمر ما، إلا إذا كان هو قد جربه واختبره، أو سمع به، فيطلب من صديقه مشاركته له في المرة الأولى. كأن يجربا شرب الدخان سوية، أو يروي له ما قام به مع قطة جاره من إيذاء، فيكون قدوة حقيقة له في الفعل والقول.
أما عند الأهل، فإن بعض الآباء يطلب من أبنائه عدم التدخين أبداً، فيما يتناولون هم أمامهم الدخان، أو يطلب الأهل من الابن النوم باكراً، فيما يسهرون هم أمام التلفاز، أو يحذرونهم من الكذب، فيما يرونهم يستخدمونه أحياناً ولو من باب المزح، وبهذا لا تود هناك مصداقية لقدوة الأهل في مثل هذه التصرفات.

5- الاختيارية، فعندما يختار الابن صديق له، يكون قد اختار شخصاً محبباً لديه، أعجبه فيه شيء ما، أو تأثر بموقف معه، أو جمعتهما بعض الأفكار والمواقف (كرياضة معينة، أو اهتمام بمادة دراسية ما ...إلخ) لذلك، فإن آراء هذا الشخص "القريب من القلب" يكون لها تأثير كبير، ورغم أن محبة الوالدين قوية لدى الغالبية العظمى من الأبناء، إلا أن تأثير هذه المحبة في التربية يكون محدوداً، إذ لا يربط الابن بين المحبة هنا والتربية.
بالإضافة إلى العديد من الأسباب العامة، والأسباب الخاصة التي تتعلق ببعض الحالات دون غيرها، كأن يكون الصديق ذو شخصية قوية ويتمتع بأسلوب قيادي، أو أن تكون البيئة التي ينتمي إليها الابن ملائمة لجنوحه وتعمله بعض العادات السلبية، أو أن يكون الوقت الذي يقضيه مع أصدقائه أكبر مما يقضيه في المنزل، أو أن يكون الأهل في الأصل لا يقدمون له الرعاية والنصح والإرشاد اللازم، وغيرها.

كيف يساهم الأهل في اختيار أصدقاء أبنائهم:
لعظيم الأثر الذي يتركه الصديق في حياة أبنائنا، ولأننا لا نعلم دائماً ماذا يتعلم الأولاد من أصدقائهم، يتبع المهتمين في تربية أولادهم أسلوب "درهم الوقاية" عبر المساهمة في اختيار الأصدقاء الذين يرافقون أبناءهم، وقاية لقنطار العلاج، الذي قد يكلفه الكثير بحال شذّ ابنهم، أو تعلم بعض العادات السلبية بالغة التأثير.
ويتبع الأهل في بعض الأحيان أساليب مباشرة في اختيار الأصدقاء، فيما يفضل آخرون استخدام أساليب غير مباشرة، تؤدي نفس الهدف بأسلوب أكثر متانة وحرص.
وهناك بعض الأساليب العامة التي يتبعها بعض الأهل، منها:
1- يركز الكثير من الأهل على المكان الذي يسكنون فيه، ويختارون مكاناً يكون في منطقة هادئة ونظيفة، وتتمتع بوجود أناس طيبي السمعة، وإذا صعب عليهم ذلك، يبتعدون عن المناطق التي تتمتع بسمعة سيئة، حيث يوجد في كل مدينة، بعض الأحياء التي تعرف بأنها كثيرة المشاكل، ويكون الناس فيها قليلي الاهتمام بتربية أبنائهم ومتابعتهم، مثلما توجد مناطق معروفة بهدوئها وقلة أو ندرة المشاكل التي تحدث فيها.
2- يهتم الأهل بانتقاء المدارس ذات السمعة الجيدة، لتسجيل أنبائهم فيها، خاصة وأن المدارس تعد من أكثر الأماكن تأثيراً في الأبناء، يقضون فيها وقتاً يومياً طويلاً، ويتعرفون فيها على أصدقاء يبقون أحياناً طوال العمر. خاصة وأن رقابة الأهل لأصدقاء المدرسة تكون أصعب من رقابة أصدقاء الحي، لذلك فهم يبحثون عن المدارس التي تعرف باهتمامها بالأخلاق قبل العلم، والتي يعرف الطلاب فيها بالجد والتميز والأدب.
3- بعد ذلك، يفضل بعض الآباء متابعة أصدقاء أبنائهم، عبر سؤال الابن أولاً عن أصدقائه، ثم يتقصى بشكل غير مباشر عن أهل هذا الصديق، ووضعه الاجتماعي، وسلوكياته، للاطمئنان على ابنه.
4- يقوم بعض الآباء (أو الأمهات) بالطلب من أبنائهم دعوة أصدقائهم للمنزل، بحجة مشاهدة مباراة في التلفاز مثلاً، أو اللعب على بعض الألعاب الإلكترونية أو المنزلية، أو لتناول وجبة عشاء. وكذلك تفعل بعض الأمهات مع بناتهن، وذلك من أجل ملاحظة أصدقاء أبنائهم، والتعايش مع أسلوب علاقتهم، وطريقة تعامل كل منهم مع الآخر، لتشكيل أصدق صورة عمن يخالط الأبناء، ويتم ذلك بالطبع بطريقة غير مباشرة.
5- يحاول بعض الآباء والأمهات، إقامة علاقات عائلية مع ذوي الأصدقاء المقربين جداً من أبنائهم، وتقديم دعوات لهم، أو زيارتهم بين وقت وآخر، وهذه الطريقة وإن كانت تؤدي وظيفة اجتماعية وإنسانية، إلا أنها تخدم في جانب مهم معرفة أهل أصدقاء أبنائهم عن كثب.
6- يحرص بعض الأهل على تقديم نصائح وإرشادات متلاحقة ومتكررة لأبنائهم، حول أهمية الأصدقاء، وضرورة اختيار الرفيق الحس، والابتعاد عن رفقاء السوء، وشرح مخاطر التعلم من الأصدقاء، ورواية قصص وأحداث حصلت مع بعض الناس. واغتنام بعض الأحداث التي تقع خلال الحياة العادية، لتوظيفها في شرح ذلك، وهذه التعليمات تشكل حاجزاً نفسياً مهماً لدى الأبناء، وتساعدهم على اتخاذ مواقف مسبقة من بعض الأصدقاء الذين يرون فيهم صفات سلبية.
بالإضافة إلى أساليب أخرى، تختلف حسب قناعة كل أب أو أم، أو حسب البيئة التي يعيشون فيها.

هل كل ما يتعلمه الأبناء من أصدقائهم سيئ ؟:
بالطبع لا، فكما يوجد رفيق السوء الذي يسحب صديقه إلى الشر، هناك رفقاء كثر يسحبون أصدقائهم إلى الخير.
يروي أحمد س (30 عاماً)، ما كان يحدث معه خلال دراسته المتوسطة فيقول: " لدي صديق كنت قد تعرفت عليه في الصف الثاني المتوسط، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، هو أفضل وأقرب الأصدقاء على قلبي، وإليه يعود الفضل بعد الله _عز وجل_ في تعليمي الصلاة والمثابرة عليها، كان يأتي إلى منزلنا بشكل دائم، وعند أوقات الصلاة كان يحرص على أدائها في المسجد، ثم بدأ يطلب مني مشاركته في الذهاب، وكان والدي في تلك المدة لاهياً عني، فلم أكن أواظب على صلاتي، وأذكر في تلك الأيام أننا تعاهدنا أنا وصديقي على عدم ترك فرض أبداً".

ويروي خالد ج (28 عاماً) عن أحد أصدقائه قائلاً: " أيام دراستي الجامعية، تعرفت على مجموعة من الأصدقاء الذين قضيت معهم وقتاً في اللهو والعب والسهر، وكان لي صديق أعرفه وأحبه قبل ذلك، منذ دخولي الجامعة، وعندما بدأ يراني أنساق خلف الأصدقاء الجدد، كان يحاول جاهداً ردعي عن ذلك، ويقدم لي النصح بأسلوبه المحبب على قلبي، والذي يتسم رغم كل شيء بالبسمة والنكتة. والحمد لله استطاع بتوفيق من الله _تعالى_ أن يبعدني عن أولئك الأصدقاء، وعدت بعدها "صديقه خالد الذي كان يعرفه"، كما يحب أن يقول لي هو ذلك".

مثل هذه القصص تحدث بشكل يومي، ويتمنى كل أب أو أم أن يكون أولادهم ممن أنعم الله عليهم بمثل هؤلاء الأصدقاء، الذين يشكلون حاجزاً مثالياً لإبعاد أبناءهم عن الخطأ، والمحافظة عليهم من لهو الدنيا وأصدقاء السوء الذين فيها.

ولهذا يحرص الآباء على اختيار أصدقاء صالحين لأولادهم، ويقوم كثير منهم بأكثر من ذلك، حيث يحاولون هم أن يجعلوا من أبنائهم الأصدقاء المثاليين، الذين يصلحون ما قد يطرأ على أصدقائهم من عادات سلبية، ويساعدون في نشر الأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة والمبادئ الإسلامية النقية بين أصدقائهم وأقرانهم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
مدونه طفلي الاستشاريه © 2012 | الى الأعلى | تعريب وتطوير | مدونة الحوار الإسلامي المسيحي